ياسرُ بنُ عامر، والدُ عمّار، قَدِمَ إلى مكةَ من اليمن قبلَ البعثة النبوية بسنوات، وحالَفَ أبا حُذيْفةَ بنَ المغيرةِ المخزومي. تزوج ياسرٌ جاريةً لأبي حُذيْفةَ المَخزومي يقال لها سُميَّة فولدتْ له عماراً. وكانت تقاليدُ الجاهلية تقضي بأن يكون ابنُ الجارية عبداً لسيدها، لكنَّ أبا حذيفة أعتقه، فصار عمارٌ مولىً لبني مَخزوم. وأنجبت سُمية ولدا آخر سُمِي عبدَ الله. ثم مات أبو حذيفة فأصبحت الأسرةُ بلا حِلْف ولا مَنعَة، وصارتْ من فئةِ المستضعفين في مكة. وعندما انطلقت الدعوةُ إلى الإسلامِ في مكة، وعَلِمَ بها آلُ ياسر، كانوا من السابقين إليها، ودخلتْ الأسرة كلُّها في دين الله. وعندما عَلِم بنو مخزومٍ بإسلام آلِ ياسر، ثارتْ ثائرتُهم، فأذاقوا أفرادَ الأسرة كلَّ أشكالِ العذاب. كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يمر بهم، وهم يعذبون، وهو لا يَملك قوةً ولا مَنَعة، فيدعو لهم ويقول: صبراً آل ياسر، موعدُكم الجنة. وصبرتْ الأسرةُ واحتسبتْ عذابَها في سبيل الله. حتى جاءَ أبو جهلٍ إلى سُميّة وطَعَنَها في قلبِها، وهي تُصِرُّ على الإيمان. وأصبحتْ بذلك أولَ شهيد في الإسلام. ثم قتلوا زوجَها ياسراً، ليَلحق بسُميةَ على دربِ الشهادة، وليكون ثانيَ شهيدٍ في الإسلام. وعُذِّب عمّار، وبَلغَ به العذابُ درجةً لم يعد يدري معها ما يقول، حتى نطقَ مُكرَها بكلمةِ الكفر، وقلبُه مُطْمَئِنٌ بالإيمان. وظلتْ آثارُ النارِ واضحةً على ظَهْرِه حتى أواخرِ حياتِه. صَبَرَ عمَّار، وهاجرَ مع المؤمنين إلى المدينة المنورة. وفَوْر وصولِه كان هو صاحبَ الاقتراحِ ببناء أولِ مسجد في الإسلام، وهو مسجدُ قُباء، فجَمَعَ حِجارةً وبَنى بها المسجد. ثم بدأتْ ملامحُ فروسيتِه تتجلى في الدفاع عن الإسلام في معارك العهد النبوي. وبعد وفاةِ الرسول صلى الله عليه وسلم، برزت بطولتُه في حروبِ الردة، فكان يقاتلُ أشدَّ القتال أولئك الذين تَمردوا على دولةِ الإسلام. وعندما وقعت الفتنةُ بين عليٍ ومعاوية، رأى عمّارٌ أن الحقَّ إلى جانبِ علي، فخاضَ معه معركةَ صفين. كان عمّارٌ أكبرَ ضحايا معركةِ صفين، سنةٍ سبع وثلاثين للهجرة. وكان عُمُرُه حينذاك بضعاً وتسعين سنة. وأدى قتلُه إلى توقفِ القتال. ترك مقتلُ عمارٍ ألماً وحُزنا في نفوسِ المسلمين، بمَن فيهِم خصومُه. وظلوا جميعا يتذكرون خصالَ هذا الرجلِ العظيم الصابرِ المحتسب.